الضياع
أحيانا تضعنا الظروف في مواقف تغير حياتنا ومن اسلوبنا في الحياة , هذه المواقف تكون دافعاً لنا ولتصرفاتنا.
عبدا لله شاب في أوائل العشرين من عمره يشع من عينيه حزن عميق ,يعيش معاناته بصمت وتشرده بحيرة فمن السبب ؟؟
في كل يوم نراه يتسكع هنا وهناك في شوارع الحي ,أفكاره مشرده كما حاله ,يلتقط سيجارته المهووس بها ليقربها إلى فمه فلم يعد له ونيس إلا هي ولم تعد للحياة طعم إلا بها ثم يخرج من جيبه (حبوب المخدر) يبلع القليل منها في وجل ليلتفت يمنه ويسره حتى يطمئن انه غير مراقب .
تفكيره مشتت وقلبه يئن لم يعد للحياة معنى ,لم يكمل تعليمه الثانوي أخفق في عدة محاولات ولكنه لم يفلح فأصبح منبوذاً من حوله ليس له هدف ولا يعرف ديناً ولا قيماً .
يتخبط في طريقه غير أبه لأحد كان يترنح في مشيه وهو يرشف سيجارته بنهم قاصدا منزل أحد أقربائه لأنه لا يطيق الذهاب إلى منزله حيث والدته التي ما تفتا أن تراه حتى تكيل عليه سيل من الشتائم التي تخدش سمعه ...
إنها لن تفهمه ....فهي سبب شقاؤه كيف يخبرها بذلك وهي من دمرته؟!
كيف يخبرها بأنها سبب تعاسته وعذابه في هذه الحياة وليته لم يولد ؟!
ماذا يقول إنها ألمه وتدمير حاله ,أيقول إنها هدمت كل أخلاقه وقيمه ,قد محت كل خير له في نفسه .
تستغربون أنتم كيف تصبح والدته الأم الروؤم دمارا لابنها الذي سيكون لها سند بعد الله
تستغربون كيف يصبح الآباء عونا للشيطان على هلاك أبنائهم ...؟!
واليكم قصته .....
كان طفلا في مهده لم يذق حنان أمه تلك العلاقة الوطيدة بين الطفل وأمه لم يشعر بها فوالدته كان همها التزين والجري خلف الموضة ووالده غارق حتى آذنيه وراء لقمه العيش
وهو....يتقلب في يد حاضنه أسيويه سلبت معاني ألرحمه والحنان ,كيف لا وهي في ارض غير أرضها ودين يختلف عن دينها وعادات وطقوس لم تعهدها , حرمت من ذلك لتعمل خادمه ومربية في أن واحد وهذا الطفل الغر يلقم منها أساليب حياته.
ويحهم تركوه ولم يرحموه ثم يقولون أين ابننا ؟ ولماذا لا يبرنا ؟ ولم انحرف عن عاداتنا ؟
فكان أشبه باليتيم حالا وأشد بؤسا.
وهذا واقعنا المؤسف خاصة في دول الخليج نجد غالبيه النساء تهتم بالقشور والمظاهر والرجل يلهث وراء المادة والمستقبل المهني وتناسوا أن خلفهم أمانه الأبناء الذين هم بحاجه إلى الاهتمام والحب والرعاية لكي يتنامى الحب بينهم ويتضاعف التعلق بهم ليجدون في الأخير البر والاهتمام معادلة لن يعرف قيمتها إلا من أقامها بحقها .
وعبد الله نموذج لأولئك اللذين حرموا من الأمان الأسري والعاطفي كثيرون وكثيرات من هم على شاكلته يعيشون حياة الضياع والفراغ النفسي والعاطفي .
ذويهم يسعون بتلبية حاجاتهم المادية متناسين الحاجات الأساسية من الحب والرعاية والاهتمام , وكلما فقدت هذه الحاجات كلما ازدادت حياتنا بؤسا وشقاءا وأصبح ألمنا كبيرا بسبب هذه التربية المبعثرة التي تفتقد إلى الاستقرار .
وهكذا الحياة لا تخلو من أكدراها ولا يسلم منها أحد ,ويعيش عبد الله في هذا الجو ويتنفس هوائه ,أمه وأبيه هو الخادمة التي ترضعه وتهدهده وتضمه إلى صدرها متى طاب لها فهي عالمه الصغير ويتعلم عاداتها وينتهل لغتها المهجنة باللغة العربية .
يهمس عبد الله في كآبه :ماذا فعلتم بي والدآي العزيزان؟
تركتم بداخلي رجلا مشوها لا يعلم ماذا يريد ؟ولا ماذا يفعل؟
كم من بكاء قطع به صوتي وأنا ابكي بحرقة خوفا من الظلام,كم من مشاعر ضعف وخور تنتابني عندما تمسك بي الخادمة لتمارس معي رغباتها المجنونة لتعلمني إدمانها .
لم اعرف ديني فلا دين لها ولم أتقن لغتي العربية فلهجتها عجين لكنني تعلقت بها ,غرقت حتى أذني وأنا اعشق بسمتها لي .....هي آمي ..حبيبتي ...هي أهلي ..بينما آمي الحقيقة هي مجرد شكل اجتماعي أراها عندما تعود من عملها مرهقة ثم أراها وهي تودعني بنظرات لاهية على عجل وأما والدي الذي لم أره إلا نادرا عندما يعود من إحدى سفراته يتذكرني ببعض الهدايا...لحظتها ابكي بمرارة وتتعالى شهقاتي أين انتم مني؟ لا أريد زخرفاتكم الزائفة ولا أريد هداياكم ...بل أريد حبكم واهتمامكم .
فتاتي حبيبتي لتغرس أظفارها في جسدي وتطوقني بلذة وهي تهمس في أذني : (أوه بيبي ما في كرا ينج) ثم تبدأ بتلمس جسدي لتثير بي أحاسيس لا افهمها وتعرفها هي بل تعشقها واستمر لأعمل عادات قد عودتني عليها من خلال ماضينا معا ولم أتجاوز السادسة من عمري حتى تعلقت بها , لم يعد لي مرفأ سواها ولا قلب حاني إلا قلبها علاقة لا يفهمها احد عدانا , كنت اتبعها في كل مكان حتى لو سمحت لي بدخولي معها أماكن قضاء الحاجة لتبعتها ولكنها تتركني بانتظارها خلف الباب .
وحينما دخلت المدرسة كان عذابا مستمرا لي حين اتركها وما زادني تعلقا بها إن والدتي لاحظت تعلقي بها فجددت الخدمة لها وتركتها معي طوال سنواتي الأولى حتى بداية مرحلة المراهقة ,فتطور الالتصاق وازداد الحب في قلب غرير لم يعرف الا قلبها .
هي عالمه فأين الأهل والصحبة ؟
هي حبه المكلوم ومن ذا الذي جرب حبه؟
حتى ذلك اليوم لأفاجئ برحيلها فلم اعد اشعر بشيء في قلبي ! بل لم يكن لدي قلب في الأصل هي من كان قد أودعت فيه بعض من المشاعر ثم رحلت لتأخذها معها لأعود إلى الوحدة القاسية.
تمر عليه تلك الليالي وكأنه قد فقد عزيز لا يعرف إلى أين يذهب ولا إلى أين يعود؟
لقد وصل إلى المرحلة الثانوية وهي من كانت معه تلبي له حاجاته كلها تساعده حتى في دراسته في أكله في هندامه ووو أيضا ممارساته العاطفية .
وبدا يبحث عن ملاذ غيرها وجدهم في فصول الدراسة زملاء في مثل سنه عابثون ,لا يهتمون بالدراسة فأوقات الاختبارات ما هي إلا فن من فنون الغش.
لكنه كان يشعر معهم بالألفة فظروفهم متشابهه ومشاعرهم مشتته فأصبح منهم وانسجمت روحه معهم ....وغرق في بحورهم وغاص في أمواجهم العاتية .
تعلم معهم كل فنون الانحراف ونهل منهم أصناف المعرفة التي تتعلق بحبوب الهلوسة وبودرة الكوكايين وغيرها من أنواع المخدر ,فهي تنسيه الواقع كما يزعمون له وتشعره بالسعادة كما يتوهم به الجاهلون لمخاطرها ,لم يكن يعلم إنها هاوية الضياع ومضرب للجنون ومعقل للمفاسد الذهنية والجسدية .
حتى ذلك اليوم كان في قمة نشوته بالمخدر مع مجموعة منهم وعلى رصيف شارع حيهم تعرض له احد المارة بالسب فانهال عليه ضربا وسبا وركلا بمعاونة أصحابه حتى أردوه قتيلا .
ها هو ذا في إحدى السجون يقبع سارحا منتظرا لحين إصدار الحكم عليه ,وهو غير آبه لما سيحدث له , فمن سيسال عن حاله ؟ ومن سيهتم في أمره.
وكل هذا بسبب إهمال الوالدين والاعتماد على الخدم في التربية والتنشئة وحقا حين قال الشاعر الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق) .
فأين أمهات الأمس من اليوم !
فلا تلوموهم ولوموا أنفسكم أيها الآباء والأمهات.