المرأة في الأربعيـن
الجزء الثاني
كيف تتكيفين مع سن الأربعين؟
العمر أشبه بالقطار السريع يمضي دون عودة ويقف عند محطات مختلفة وكل محطة لها خصائصها وطبيعتها ومسؤولياتها، فبالأمس كنتِ حامل وحولك طفل يحبو وآخر في المدرسة، حياتك صاخبة، مليئة، فائضة بالمسؤوليات تنسين فيها كل ما تحتاجينه لتنمية ذاتك حتى علاقتك بزوجك تضطرب أحياناً لفرط الإزعاج داخل البيت فهذا مريض وذاك يذاكر، وهذه تبكي جائعة وترقدين في آخر الليل وكأنك جثة هامدة لفرط التعب والإرهاق، ليس هناك وقت للتفكير بأي شيء وتتمنين لو يكبر الأولاد بسرعة لتجلسين مع زوجك جلسة رومانسية هادئة، ناهيك عن القلق المستديم من المعاشرة المرعبة خوفاً من الحمل، تارة أقراص منع الحمل، وتارة اللولب، وزيارات دائمة لطبيبة الحمل والولادة ومشاكل تعيق المتعة والسعادة.
ِهذه محطة في حياتك مرت بسلام وانتقل بك قطار العمر إلى (محطة الأربعين) فهاهم الأولاد قد كبروا واستقلوا بشخصياتهم وهدأ البيت وانخفض معدل المسؤوليات عن السابق وأخذت فرص اختلاءك بزوجك تتزايد وما عليكِ إلا استثمار هذه المحطة بشكل جيد فهناك نقاط هامة أرجو الانتباه إليها منها:
1- التفكير الإيجابي:
هناك ثقافة خاطئة ورثناها عن جداتنا باعتبار سن الأربعين هو سن العجز واليأس، فالمرأة تفقد شبابها وخصوبتها وحيويتها مما يجعلها تتعاطى مع عمرها بسلبية تامة، والحقيقة أن عمر الأربعين يتميز بالنضوج العاطفي للمرأة فخبرتها الطويلة بالحياة والرجل تجعلها أكثر حرارة واندفاعاً في الجنس، فكثير من النساء تشتد رغبتهن الجنسية بشكل كبير وهذا بحد ذاته متعة وسعادة للزوج إذا عرف كيف يستثمر الوضع جيداً، كل ما هنالك أن المرأة لم تعد قادرة على الإنجاب وهذا بحد ذاته ليس مشكلة أصلاً فهي الآن بحاجة أن تعيش حياتها وتتمتع وتنمي مهاراتها وخبراتها، ناهيك عن التطور الثقافي والفكر المعاصر الذي يقيّم المرأة وفق معايير مختلفة عن السابق فهي ليس موضوع إنجاب فقط بل إنسانة لها دور آخر في تجاه نفسها وتجاه مجتمعها وقضايا أمتها، فلو عرفت المرأة أنها الآن أكثر دفئاً وأكثر حناناً وأكثر تفاعلاً لتخلصت من شوائب الأفكار السلبية.
في السابق شاهدت فيلماً يتناول حياة (جاكلين كنيدي) زوجة الرئيس الأمريكي الراحل (جون كينيدي) بعد أن قُتل زوجها تزوجت من (أوناسيس) أسطورة المال والثراء فقد كان شديد الإعجاب بها يومها كانت في سن الأربعين وقال لها أوناسيس على سبيل الغزل (أتدرين أن المرأة في الأربعين أكثر دفئاً فهي كشبه القارة الهندية مليئة بالدفء والغموض).
2- صادقي زوجك:
العلاقة الزوجية تتطور وتأخذ بُعداً آخر فتجدين زوجك لصيقاً بك أكثر من قبل وأنتِ أيضاً كثيرة القرب منه، تطول أحاديثكما، تهدأ العلاقة وتتحول إلى صداقة وارتياح، فكثيراً ما أشاهد زوجان يمارسان رياضة المشي صباحاً ويتحدثان كما لو كانا صديقين حميمين.
3- لا تخنقي أولادك:
كبر الأولاد وهم بحاجة إلى استقلالية فلم يعودوا كالفراخ الصغار يتدثرون تحت جناحيك وبالتالي اتركيهم ليتخذوا قراراتهم، هم من سيخطأ ليتعلم، هم من سينجح ليستفيد، لا تلومي نفسك وتظنين أن فشلهم كان بسببك لأنكِ قصرتِ أو أن تربيتك غير صالحة أو تثورين راغبة في الحصاد السريع، أو الاهتمام المبالغ فيه.
4- طاقة روحيــة:
في هذه المرحلة تتكون شخصية الإنسان رجل أو امرأة بشكل ناضج وتثبت الهوية فلا يمكن تغييرها بأي حال من الأحوال والتفكير أن الكون ممنهج بسنن الفناء والخلود في الآخرة يجعلنا أكثر قرباً من الله واحترازاً من الذنوب وتحسباً للمفاجآت القدرية لهذا فإن العبادة والدعاء وصلاة الليل والتأمل تغذي روحك بطاقة سلام وسكون هائلتين فتشعرين دوماً أنكِ فوق كل هذه التغييرات المادية الفانية والتي ستقودنا حتماً إلى حياة الآخرة ففيها المستقر الأبدي.
5- عمليات التجميل واختلال التوازن:
حدثتني أستاذة متخصصة بالريكي والعلاج بالطاقة أن عمليات التجميل خطيرة كونها تسبب خلل في توازن القوى والطاقة في الجسم فقد تكون رائعة وتلبي رغبة التصابي والتجمل داخلنا لكنها على المدى البعيد لها أضرار في قوانا الروحية والنفسية والصحية.
6- برنامـج حياة ممتع:
ارسمي لحياتك خطة استراتيجية هادفة بحيث تشمل كل جوانبها وتفاصيلها، انتهى زمن الفوضى والعبث، الآن أنتِ بحاجة إلى برنامج شامل يغطي عقلك وفكرك وذلك عبر قراءات مستفيضة وبناءة، برنامج صحي يتمثل بنظام غذائي متوازن ورياضة خفيفة كالمشي وممارسة التنفس الصحي.
برنامج روحي، بالأمس كان وقتك ضيقاً ومحصوراً بالمسؤوليات الآن يمكنك إضافة المستحبات إلى جدول عبادتك وزيارات العتبات المقدسة والتأملات في الكون والحياة فهذا السن هو سن الحكمة والعقل واكتشاف الذات من جديد.
ممارسة هواية نافعة تحقق ذاتك وتشعرك بالنجاح وتستثمر وقتك بشكل جيد، العلاقات الاجتماعية والصداقات تجعل حياتك أكثر امتلاءاً وسعادة.. والأهم أن تؤكدي لنفسك دائماً وبشكل يومي أن أهم مكسب حققتيه في حياتك (مملكتك الخاصة) أسرتك السعيدة، زوجك رفيق العمر، أولادك ثمرات كبرت لتخدم الوطن وستشير إليك بفخر (شكراً لكِ يا أمّنا العظيمة).