فى ((سنن ابن ماجه)) مرفوعاً من حديث أبى هريرة: ((مَنْ لَعِقَ العَسَل ثَلاثَ غدَوَاتٍ كُلَّ شَهْرٍ، لَمْ يُصِبْه عَظِيمٌ مِنَ البَلاءِ))، وفى أثر آخر: ((علَيْكُم بالشِّفَاءَيْنِ: العَسَلِ والقُرآنِ))، فجمع بين الطب البَشَرى والإلهى، وبين طب الأبدان، وطب الأرواح، وبين الدواء الأرضى والدواء السمائى.
العسل فيه منافعُ عظيمة، فإنه جلاءٌ للأوساخ التى فى العروق والأمعاء وغيرها، محلِّلٌ للرطوبات أكلاً وطِلاءً، نافعٌ للمشايخ وأصحابِ البلغم، ومَن كان مِزاجه بارداً رطباً، وهو مغّذٍّ ملين للطبيعة، منقٍّ للكبد والصدر، مُدِرٍّ للبول، موافقٌ للسعال الكائن عن البلغم، وإذا شُرِبَ حاراً بدُهن الورد، نفع من نهش الهوام، وشرب الأفيون، وإن شُرِبَ وحده ممزوجاً بماء نفع من عضة الكَلْبِ الكَلِبِ، وأكلِ الفُطُرِ القتَّال، وإذا جُعِلَ فيه اللَّحمُ الطرىُّ، حَفِظَ طراوته ثلاثَةَ أشهر، وكذلك إن جُعِل فيه القِثَّاء، والخيارُ، والقرعُ، والباذنجان، ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر، ويحفظ جثة الموتى، ويُسمى الحافظَ الأمين. وإذ لطخ به البدن المقمل والشَّعر، قتل قَملَه وصِئْبانَه، وطوَّل الشَّعرَ، وحسَّنه، ونعَّمه، وإن اكتُحل به، جلا ظُلمة البصر، وإن استُنَّ به بيَّضَ الأسنان وصقَلها، وحَفِظَ صحتَها، وصحة اللِّثةِ، ويفتح أفواهَ العُروقِ، ويُدِرُّ الطَّمْثَ، ولعقُه على الريق يُذهب البلغم، ويَغسِلَ خَمْلَ المعدة، ويدفعُ الفضلات عنها، ويسخنها تسخيناً معتدلاً، ويفتح سُدَدَها، ويفعل ذلك بالكبد والكُلَى والمثانة، وهو أقلُّ ضرراً لسُدَد الكبد والطحال من كل حلو. وهو مع هذا كله مأمونُ الغائلة، قليلُ المضار، مُضِرٌ بالعرض للصفراويين، ودفعها بالخلِّ ونحوه، فيعودُ حينئذ نافعاً له جداً.
وهو غِذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلوى، وطِلاء مع الأطلية، ومُفرِّح مع المفرِّحات، فما خُلِقَ لنا شىءٌ فى معناه أفضلَ منه، ولا مثلَه، ولا قريباً منه، ولم يكن معوّلُ القدماء إلا عليه، وأكثرُ كتب القدماء لا ذِكر فيها للسكر ألبتة، ولا يعرفونه، فإنه حديثُ العهد حدث قريباً، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يشربه بالماء على الرِّيق، وفى ذلك سِرٌ بديع فى حفظ الصحة لا يُدركه إلا الفطن الفاضل.
وليس طِبُّه صلى الله عليه وسلم كطِبِّ الأطباء، فإن طبَّ النبىّ صلى الله عليه وسلم متيقَّنٌ قطعىٌ إلهىٌ، صادرٌ عن الوحى، ومِشْكاةِ النبوة، وكمالِ العقل. ، فإعراضُ الناس عن طِبِّ النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذى هو الشفاء النافع، وليس ذلك لقصور فى الدواء، ولكن لخُبثِ الطبيعة، وفساد المحل، وعدمِ قبوله.. والله الموفق.
وقد اختلف الناس فى قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} [النحل : 69]، هل الضمير فى ((فيه)) راجعٌ إلى الشراب، أو راجعٌ إلى القرآن ؟ على قولين؛ الصحيح: رجوعُه إلى الشراب، وهو قول ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وقتادة، والأكثرين، فإنه هو المذكور، والكلامُ سيق لأجله، ولا ذكرَ للقرآن فى الآية، وهذا الحديث الصحيحُ وهو قوله: ((صَدَقَ اللهُ)) كالصريح فيه.. والله تعالى أعلم.
تركيب العسل آية إبداع للحق سبحانه
توجد في العسل فيتامينات قد تكون هي كل ما يحتاجه جسم الإنسان من فيتامينات وهي: أ، ب1 ، ب 2، ب 3، ب ه، ب 6، د، ك، و، هـ وفوليك أسيد وحمض النيكوتنيك.. وهذه الفيتامينات أقوى وأنقى الفيتامينات التي يحتاجها الجسم، ويمتصها بسهولة خلال ساعة من تناول العسل.. خلافاً للفيتامينات المتوافرة والمتفرقة في مأكولات أخرى، وهي أبطأ وأضعف من فيتامينات العسل،
وتوجد كذلك معادن وأملاح في العسل كالحديد، والكبريت،والمغنسيوم، والفوسفور، والكا لسيوم، واليود، والبوتاسيوم، والصويوم، والكلور، والنحاس والكروم، والنيكل، والرصاص، والسيليكا، والمنجنيز، والألمونيوم، والبورون، والليثيوم، والقصدير، والخارصين، والتيتانيوم.. والعجيب أن هذه من مكونات التراب الذي منه خلق الإنسان. ويوجد بالعسل خمائر وأحماض مهمة جداً لجسم الإنسان ولحياته وحيويته، مثل خميرة الأميليز، وخميرة الأنفرتيز، وخميرة الكاتالير، وخميرة الفوسفاتيز، وخميرة البروكسيد.. وأما الأحماض فيوجد بالعسل حمض النمليك، واللبنيك، والليمونيك، والطرطريك، والأوكساليك، والبيروجلوتاهيك، والجلولونيك.
ويوجد بالعسل هرمونات قوية منشطة فعالة بها مضادات حيوية تقي الإنسان من كافة الأمراض، وتفتك بأعتى الجراثيم والميكروبات، واكتشف أن بالعسل مادة الديوتيريوم (هيدروجين ثقيل) المضاد للسرطان.
العسل والطب الحديث أكدت الأبحاث العلمية الحديثة فوائد العسل في عدد من المجالات، ومن أحدث هذه الأبحاث، تلك التي قام بها أستاذ جامعي في جامعة waikato في نيوزيلندة، يدعى البروفيسور (بيتر مولان)، وقد قضى وزملاؤه في مخابر البحث عشرين عامًا في تجاربهم العلمية وفق شروط البحث العلمي السليم ـ على العسل، وخرجوا بعشرات الأبحاث العلمية التي نشرت في أشهر المجلات الطبية في العالم، نشر آخرها في شهر أبريل 2003م، ولم يكن هو الباحث الوحيد في هذا المجال؛ فقد قام عشرات الباحثين بنشر أبحاثهم أيضًا في مجال العسل.
الجراثيم لا تستطيع مقاومة العسل:
هذا هو عنوان مقال نشر في مجلة Lancet Infect Dis في شهر فبراير 2003م، أكد فيه الدكتور Dixon الفعالية القوية للعسل في السيطرة على عدد من الجراثيم التي لا تستطيع الصمود أمام العسل. ودعا الباحث إلى استخدام العسل في علاج الجروح والحروق.
يقول البروفيسور (مولان): (إن كل أنواع العسل تعمل في قتل الجراثيم، رغم أن بعضها قد يكون أكثر فعالية من غيرها، وأن العسل يمنع نمو الجراثيم، ويقضي على تلك الجراثيم الموجودة في الجروح.
العسل عامل مهم لالتئام الجروح:
ذلك هو عنوان مقال نشر في مجلة J. Wound Ostomy Continence Nurs في شهر نوفمبر 2002م. يقول كاتب المقال الدكتور Lusby من جامعة (تشارلز تسرت) في استراليا: (رغم أن العسل قد استعمل كعلاج تقليدي في معالجة الجروح والحروق، إلا أن إدخاله كعلاج ضمن المعالجات الطبية الحديثة لم يكن معروفًا من قبل. ويقول الدكتور Kingsley من مستشفى Devon في بريطانيا في مقال نشر في مجلة Br J Nurs في شهر ديسمبر 2001م: (لقد لفتت وسائل الإعلام أنظار الناس إلى فوائد العسل في علاج الجروح، حتى إن المرضى في بريطانيا أصبحوا يطالبون أطباءهم باستخدام العسل في علاج الجروح).
وقد أظهر عدد من الدراسات العلمية أن العسل يمتلك خصائص مضادة للجراثيم في المختبر، كما أكد عدد من الدراسات السريرية أن استعمال العسل في علاج الجروح الملتهبة بشدة قد استطاع تطهير هذه الإنتانات الجرثومية والقضاء عليها، وعجّل في شفاء الجروح.
يقول البروفيسور (مولان) من جامعة Waikato في نيوزلندا: (كان علاج الجروح بالعسل أمرًا أساسيٌّا في القرون السابقة، ولكنه أصبح (موضة قديمة) عندما ظهرت المضادات الحيوية. ولكن مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية أخذت بالانتشار وأصبحت مشكلة طبية قائمة. ومن هنا كان بعث العسل من جديد في علاج تلك الحالات).
وإن خصائص العسل المضادة للالتهاب تخفف آلام الجروح بسرعة، كما تخفف من الوذمة المحيطة بالجرح، ومن خروج السوائل من الجرح Exudates، وتقلل من ظهور الندبات بعد شفاء الجروح.
وأشارت الأبحاث العلمية إلى أن خواص العسل الفيزيائية والكيميائية (مثل درجة الحموضة والتأثيرات الأُسموزية Osmotic) تلعب دورًا في فعاليته القاتلة للجراثيم. وإضافة إلى هذا فإن العسل يمتلك خواص مضادة للالتهابات anti ـ inflammatory activity ويحفز الاستجابات المناعية داخل الجرح، والنتيجة النهائية هي أن العسل يقاوم الإنتان الجرثومي، ويحفز الالتئام في الجروح والحروق والقروح.
العسل يثبط جرثومة العصيات الزرق (الزائفة):
يقول الدكتور Cooper في مقدمة بحثه الذي نشر في مجلة J Bur Care Rehabil في شهر ديسمبر 2002م: (لأنه لا يوجد علاج مثالي للحروق المصابة بإنتان جرثومي من نوع العصيات الزرق Pseudomonas aeruginosa فإن هناك حاجة ماسة للبحث عن وسائل أخرى فعالة لعلاج هذا الإنتانوالعسل علاج قديم للجروح، ولكن هناك أدلة متطورة تؤكد فعاليته كمضاد لجرثومة العصيات الزرق. وقد قام الدكتور Cooper وزملاؤه في جامعة كارديف في بريطانيا باختبار حساسية 17 سلالة من سلالات جرثومة العصيات الزرق تم عزلها من حروق مصابة بالإنتان، وذلك تجاه نوعين من أنواع العسل: الأول هو (Pasture Honey)، والثاني هو (Manuka Honey). وقد أكدت نتائج الدراسة أن كل السلالات الجرثومية السابقة الذكر قد استجابت للعلاج بالعسل وبتراكيز قليلة دون 10% (جم/مم). وليس هذا فحسب، بل إن كلا النوعين من العسل احتفظا بفعاليتهما القاتلة للجراثيم، حتى عندما تم تمديد المحلول لأكثر من عشرة أضعاف. وخلص الباحثون إلى القول بإن العسل، بفعاليته المضادة للجراثيم ـ قادر على أن يكون أحد الوسائل العلاجية الفعالة في معالجة الحروق المصابة بإنتان جرثومي بالعصيات الزرق.
منقول